Tuesday, July 11, 2006

 

التوتر الناجم واعادة التأقلم

لقد اصبحت حكايات الجعليين الشعبية اكثر ثراءآ نتيجة لاخذها من مصادر متنوعة ، و اصبح بينها الكثير المشترك مع طرز و تقاليد الحكاية الشعبية عالميآ . فقد اعطى التعارض بين القديم و الجديد ، الافريقى الاصيل و العربى الغازى ، الاسلامى و ما قبل الاسلامى ، اعطى حكايات الجعليين الشعبية بعض مميزاتها الثابتة .هنالك توتر مميز ناشئ عن مسار حركة التبادل الثقافى من خلال انعكاساته فى الحكايات الشعبية ، كذلك هنالك توترات ناجمة عن بعض مميزاتالقرابة و المؤسسات السياسية و نسق المعتقدات ..و بتناول سريع لمسار التطور التاريخى لثقافة الجعليين ، توضح العديد من الحكايات التطور التاريخى لثقافة الجعليين ، الى ثقافة عربية اسلامية و توضح بالمثل بعض هذه الحكايات طبيعة العلاقات العربية الافريقية ، كذلك تعكس موقف الجعليين من مثل هذه العلاقات عبر الحقب المختلفة لتطورها الثقافى . و يمكن ملاحظة حقبتين رئيسيتين خلال اختبار الصلات الثقافية و المواقف تجاهها :المرحلة الاولى : و تعكس العلاقات الافريقية العربية السابقة للمشيخات الاسلامية و مملكة الفونج بسنار ( 1504 – 1821 ) . و تقدم لنا حركة بنى هلال ، و التى لا بد انها حدثت خلال القرنين الرابع عشر و الخامس عشر ، مثالآ لهذه الصلات . توضح الحكايات التى تعكس علاقات الشمال و الجنوب المبكرة ، عدم الرغبة فى مثل هذه الصلات و المواقف العدائية التى عبر عنها المواطنون الاصليون عن عدائهم لغزوات و تعديات بنى هلال المبكرة . ففى رواية الجعليين لقصة ابى زيد ، كان على القادمين الذين جاءوا لاستغلال البلاد قبل مجئ القبائل ، الادعاء بانهم شعراء جوالون و مداحون Praise Singers عابرون فقط .المرحلة الثانية : بدأت مع مملكة الفونج . فى خلال هذه الفترة دعا الحكام المسلمون بعثات و رجالات دين من الجزيرة العربية و شمال افريقيا ليزوروا السودان . و قد عامل الحكام هذه البعثات الدينية بتوقير ، و اقتطعوهم اراض واسعة و شجعوهم على الاقامة فى السودان . و نتيجة لذلك بدأ الجعليون المستعربون و المسلمون يحسون علاقات عرقية و روحية مع العرب و المسلمين و المستعربين . و لما تبين و تمثل الجعليون الثقافة الاسلامية تغيرت مواقفهم ازاء المسلمين العرب . لقد غيرت عقلية المواطنين المسلمين ( المواطنين الذين تحولوا الى الاسلام ) صورة العربى و طبيعة العلاقات الافريقية العربية و ظهر هذا التغيّر جليآ فى الحكايات الشعبية ، حيث اصبح العرب ينظر اليهم كمعلمين و دعاة للايمان و المعرفة . و اصبحت الصلات معهم مرغوبة يسعى اليها الناس . و هكذا ظهرت مجموعة من الحكايات باحثة عن مشروعية العلاقة الروحية و التى هى نتاج للمرحلة الثانية من التطور التاريخى و الثقافى . و من بين هذه القصص ( حج المجذوب ) ظهور الطريقة القادرية الدينية و ( كيف دخلت الطريقة التيجانية الى السودان ) اذ حاول الجعليون المستعربون عبر هذه الحكايات ان يقرنوا ثقافاتهم مع المسلمين المرموقين كالسيد عبدالقادر الجيلانى ، و السيد احمد بن ادريس و ان يتمثلوا الامور التى جعلتهم مشهورين مثل انبثاق الطرق الدينية و التجليات الروحية الخارقة .
ان السمات المميزة لنظام القرابة مثل الزواج الخارجى و الداخلى ، و التركيز على الخط الابوى و الاموى هما من العادات الثقافية الوطنية و التى تأثرت و اهتزت بمجئ العرب . ان نسق القرابة الذى كان يتبع الخط الاموى ( يرتكز على خط الاناث ) ، كان مسيطرآ اكثر فى الفترة التى سبقت مجئ العرب . و بعد قرون من التعرض للصلات العربية و تمثل عناصر الثقافة العربية ، اصبح نسق القرابة هذا مبنيآ على اتباع الخط الابوى ، و لكن لم يهمل النسق الاموى تمامآ . فان الصلات و الواجبات لكل من خطى الذكور و الاناث لا تزال معروفة و مستمرة . مثلآ تدور حكاية ( الملك نمر ) و تعبر بصورة درامية عن التهديد و التحدى للعلاقات الاموية .يعكس التوتر الناجم عن تداخل وجهات النظر المختلفة للثقافتين حول السلطة و التنظيمات السياسية نفسه فى بعض الحكايات مثل حكاية ( السرة بت بلال ) ( بت الفوال ) و ( السلطان و السماك ) . فهذه الحكايات تعكس الثقافة و الصراع الطبقى ، و تطرح رغبة الناس العاديين فى الارتقاء الى مواقع اجتماعية و سياسية مميزة .فيما يتعلق بعادات المواطنين الدينية ، فان مجموعة ضخمة من المعتقدات الافريقية تنعكس فى هذه الحكايات . و من بين هذه المعتقدات الموجودة فى ثقافة و تراث السودانيين النيليين الاصليين و السابقة على اتصالهم بالمسلمين العرب ، نجد مجموعة المعتقدات المرتبطة بالعالم السفلى و آلهة النيل . فالاعتقاد فى العالم السفلى يحتل مكانة مميزة فى حكايات الجعليين الشعبية . فالمستحيل و المدهش و الخارق للعادة يصبح ممكنآ فقط بعد اتصاله بالعالم السفلى مثلما يتضح فى حكايتى " محمد الشاطر " و " بير سعدالله " و غيرهما من الحكايات .ان اعادة التأقلم و التى سببتها التوفيقية و جعلت منها ضرورة لا تقتصر على مضمون الحكايات فقط ، فهى واضحة بالمثل فى اشكالها و انماطها . اذ ان اثر الثقافة العربية و دخول الاسلام و قبوله ، قاد الى تطور تاريخى فى اسلوب الحكايات . فأنماط الحكايات التى سبقت انتشار الاسلام و التعريب ، اعيدت صياغتها و تفسيرها و بخاصة فى بعض الحقول الحساسة مثل حقل المثولوجيا و القوى الخارقة ، حيث لابد من اعادة صياغتها لتتناغم مع الديانة و الثقافة الغالبة .

Comments: Post a Comment



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?